الماء في القرآن (1) | فضيلة الشيخ محفوظ ابراهيم فال
" الماء في القرآن "
(1 )
" ولقد صرفناه بينهم ليذكروا "
" فانظر إلى آثار رحمة الله "
من كبريات النعم وعظيم الآيات نزول المطر وقد تكرر الحديث عنه في كتاب الله تعالى كثيرا في سياقات متعددة من أبرزها :
_الدعوة إلى النظر في هذه الآية ودلالتها على حكمة الله وقدرته ورحمته وأنه الخالق وحده والإله وحده لا شريك له جل جلاله
_ التذكير بنعمة الله تعالى في نزول الماء من السماء وما له من أثر عظيم في حياة الناس ومظاهر اللطف والإحسان في ذلك وليس هذا خاص بالماء فأعظم الظواهر الكونية الكبرى وما تشتمل عليه من فروع صغرى تأتي في القرآن في هذين السياقين سياق الدلالة على فالق الحب والنوى من " له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى "
ثم سياق أن ذلك الخالق جل وعلا خلق الخلق ودبر الأمر وسخر الكون نعمة لبني آدم فجاء الخلق موفرا لحاجاتهم محققا لرغباتهم سماؤه تمطر وأرضه تنبت ذراته تُجَزأ وتُفجر ومجراته تُضبط وتُسير وفي خلال هذين السياقين العامين تتخلل سياقات خاصة مليئة بعلم القرآن وحكمة القرآن وذكرى القرآن وموعظة القرآن وفي ذلك كله { تبصرة وذكرى لكل عبد منيب}
فهل منا من له قلب أو ألقى السمع وهوشهيد ؟؟؟
انظروا إلى قول الله تعالى :
{ وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا }
فهل تذكرتم إخوتنا الكرام لئلا تكونوا من الأكثر الكفور ؟؟
{ ومن آياتيه يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون }
{ وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون }
وأستعين الله تعالى على وقفات مع الآيات القرآنية في هذا الموضوع في حلقات متعددة
1 _نشأة المطر
من الظواهر الكونية التي لا يزال العلم قاصرا فيها نشأة المطر ومراحل تكوينه والذي كشف الله تعالى عنه من ذلك أن الله عز وجل يسلط الحرارة على المياه التي في الأشجار والبحار وغيرها فترتفع حرارة الماء حتى يتبخر فيتحول من سائل إلى غازي فيعلو ثم يحمله على الهواء ويختزنه في المزن ويسوقه بالريح والملائكة ثم يصرفه بين خلفه كيف يشاء ويقسمه على عباده لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع
والإنسان الضعيف لا يعدو المراقبة عن بعد لا يًنشئ ولا يًحور ولا يَطور ولا يسير ولا ينزل ولا ينبت قال الله تعالى :
{ ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال ،،،،،}
قال ابن كثير رحمه الله :
الله يسوق السحاب أول ما ينشئها وهي ضعيفة ، وهو الإزجاء ( ثم يؤلف بينه ) أي : يجمعه بعد تفرقه ، ( ثم يجعله ركاما ) أي : متراكما ، أي : يركب بعضه بعضا ، ( فترى الودق ) أي المطر ( يخرج من خلاله ) أي : من خلله . وكذا قرأها ابن عباس والضحاك .انتهى
ومن رحمة الله تعالى كونه يخرج من الخلل ليكون قطرات حتى لا يدمر ما ينزل عليه
وفي التعليق على هذه الآية يقول الاكتشاف العلمي :
1 _إن أول خطوة في تشكل الغيوم هي الرياح! إن الرياح لها دور كبير في تشكل الغيوم وهذا ما أكده القرآن بقوله: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا).
2- ويؤكدون أن الخطوة الثانية هي التوافق والانسجام والتآلف بين الحقول الكهربائية لذرات بخار الماء ولقطع الغيوم، وهذا ما عبر عنه القرآن بقول الحق تبارك وتعالى: (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ).
3- هم يسمون هذه الغيوم "ركاماً" cumulus والقرآن ذكر هذا الاسم: (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا).
4- بعد القياسات وجدوا أنها ثقيلة وتزن ملايين الأطنان، ويقولون إنها ذات كتلة هائلة heavy masses وهذا ما قرره القرآن، يقول تعالى: (وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ).
5- وجدوا أن الغيوم الركامية تعطي الأمطار الغزيرة، وهذا ما أشار إليه القرآن بكلمة (الودق) وهو المطر الغزير، وهو ما يعبر عنه العلماء بمصطلح showers of rain يقول تعالى: (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ).
6- بعدما صوروا هذه الغيوم بالأقمار الاصطناعية وجدوا أنها تشبه الجبال، فاستخدموا هذا التشبيه الدقيق في القرن الحادي والعشرين، ويقولون في موسوعاتهم بالحرف الواحد whose summits rise in the form of mountains أي أن قمم هذه الغيوم تشبه الجبال، ولكن القرآن سبقهم غليه يقول تعالى: (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ).
7- بعد أن اخترقوا هذه الغيوم الركامية وجدوا أن البرد لا يتشكل إلا فيها، لأن تشكل البرد يحتاج لعاصفة بردية hailstorms وهذه العاصفة لا يمكنها أن تهب إلا في الغيوم التي على شكل جبال، وهذا ما حدثنا به القرآن: (بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ).
8- وجدوا أيضاً أن هذه الغيوم هي البيئة المناسبة لتشكل العواصف الرعدية thunderstorms التي يحدث فيها البرق، وهذا ما أخبر به القرآن صراحة بقوله تعالى: (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ).
( الفقرة من موقع عبد الدائم لكحيل )
2 _ نعمة المطر
وقد بين تعالى أنه حين ينزل الماء من السماء يقسمه بين ما ينبت منه ما نأكله وتأكله دواينا وبين ما يسكنه الأرض لنشربه ( وأنزلنا ماء فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون ) ( وهو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )
{ وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين }
{ أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون }
وأمرنا أن ننظر إلى طعامنا وكيف سخره الله وخلقه ويسره ( فلينظر الإنسان إلى طعامه إنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم )
إن من نظر إلى الطعام هذه النظرة القرآنية سيقول مع سيد الشاكرين صلوات ربي وسلامه عليه؛ ( الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة )
فهل تذكرنا إنعام الله وإفضاله وهل تصورنا حالنا حين يمسك الله القطر من السماء ويتحول حال الإنسان إلى قحط وشدة وقد صور الله حالنا قبل المطر وحالنا بعده
( فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير )
إن الماء يرتبط به كل شيء في حياة الإنسان ولا يستغني عنه في أي جانب من جوانبها فلنحمد الله على المطر ولنؤمن بالله الذي أنزله ولنقل بقلوبنا وألسنتنا (مطرنا بفضل الله )
إن من المؤسف أن كثيرا من الناس يجعل موسم المطر موسم معصية لله وغفلة عنه ونسيان لذكره وشكره ورحمته ويستبدل شكر الله بكفره
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك